Muslim Library

تفسير القرطبي - سورة الإنسان - الآية 1

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) (الإنسان) mp3
سُورَة الْإِنْسَان مَكِّيَّة فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ . وَقَالَ الْجُمْهُور : مَدَنِيَّة . وَقِيلَ : فِيهَا مَكِّيّ , مِنْ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن تَنْزِيلًا " [ الْإِنْسَان : 23 ] إِلَى آخِر السُّورَة , وَمَا تَقَدَّمَهُ مَدَنِيّ . وَذَكَرَ اِبْن وَهْب قَالَ : وَحَدَّثَنَا اِبْن زَيْد قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقْرَأ : " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر " وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ وَعِنْده رَجُل أَسْوَد كَانَ يَسْأَل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب : لَا تُثْقِلْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ( دَعْهُ يَا ابْن الْخَطَّاب ) قَالَ : فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَة وَهُوَ عِنْده , فَلَمَّا قَرَأَهَا عَلَيْهِ وَبَلَغَ صِفَة الْجِنَان زَفَرَ زَفْرَة فَخَرَجَتْ نَفْسه . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَخْرَجَ نَفْسَ صَاحِبِكُمْ - أَوْ أَخِيكُمْ - الشَّوْق إِلَى الْجَنَّة ) وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر بِخِلَافِ هَذَا اللَّفْظ , وَسَيَأْتِي . وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : إِنَّ هَذِهِ السُّورَة نَزَلَتْ فِي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَالْمَقْصُود مِنْ السُّورَة عَامّ . وَهَكَذَا الْقَوْل فِي كُلّ مَا يُقَال إِنَّهُ نَزَلَ بِسَبَبِ كَذَا وَكَذَا . " هَلْ " : بِمَعْنَى قَدْ ; قَالَهُ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ " هَلْ " بِمَعْنَى قَدْ . قَالَ الْفَرَّاء : هَلْ تَكُون جَحْدًا , وَتَكُون خَبَرًا , فَهَذَا مِنْ الْخَبَر ; لِأَنَّك تَقُول : هَلْ أَعْطَيْتُك ؟ تُقَرِّرُهُ بِأَنَّك أَعْطَيْته . وَالْجَحْد أَنْ تَقُول : هَلْ يَقْدِر أَحَد عَلَى مِثْل هَذَا ؟ وَقِيلَ : هِيَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِفْهَام , وَالْمَعْنَى : أَتَى . وَالْإِنْسَان هُنَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام , قَالَهُ قَتَادَة وَالثَّوْرِيّ وَعِكْرِمَة وَالسُّدِّيّ . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس . " حِينٌ مِنْ الدَّهْر " قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أَبِي صَالِح : أَرْبَعُونَ سَنَة مَرَّتْ بِهِ , قَبْل أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوح , وَهُوَ مُلْقًى بَيْن مَكَّة وَالطَّائِف وَعَيَّنَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا فِي رِوَايَة الضَّحَّاك أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ طِين , فَأَقَامَ أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ مِنْ صَلْصَال أَرْبَعِينَ سَنَة , فَتَمَّ خَلْقه بَعْد مِائَة وَعِشْرِينَ سَنَة . وَزَادَ اِبْن مَسْعُود فَقَالَ : أَقَامَ وَهُوَ مِنْ تُرَاب أَرْبَعِينَ سَنَة , فَتَمَّ خَلْقه بَعْد مِائَة وَسِتِّينَ سَنَة , ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ الرُّوح . وَقِيلَ : الْحِين الْمَذْكُور هَهُنَا : لَا يُعْرَف مِقْدَاره عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا , حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . " لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " قَالَ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس : لَا فِي السَّمَاء وَلَا فِي الْأَرْض . وَقِيلَ : أَيْ كَانَ جَسَدًا مُصَوَّرًا تُرَابًا وَطِينًا , لَا يُذْكَر وَلَا يُعْرَف , وَلَا يُدْرَى مَا اِسْمه وَلَا مَا يُرَاد بِهِ , ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ الرُّوح , فَصَارَ مَذْكُورًا ; قَالَهُ الْفَرَّاء وَقُطْرُب وَثَعْلَب . وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا فِي الْخَلْق وَإِنْ كَانَ عِنْد اللَّه شَيْئًا مَذْكُورًا . وَقِيلَ : لَيْسَ هَذَا الذِّكْر بِمَعْنَى الْإِخْبَار , فَإِنَّ إِخْبَار الرَّبّ عَنْ الْكَائِنَات قَدِيم , بَلْ هَذَا الذِّكْر بِمَعْنَى الْخَطَر وَالشَّرَف وَالْقَدْر ; تَقُول : فُلَان مَذْكُور أَيْ لَهُ شَرَف وَقَدْر . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : " وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَك وَلِقَوْمِك " [ الزُّخْرُف : 44 ] . أَيْ قَدْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْر عِنْد الْخَلِيقَة . ثُمَّ لَمَّا عَرَّفَ اللَّه الْمَلَائِكَة أَنَّهُ جَعَلَ آدَم خَلِيفَة , وَحَمَّلَهُ الْأَمَانَة الَّتِي عَجَزَ عَنْهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , ظَهَرَ فَضْله عَلَى الْكُلّ , فَصَارَ مَذْكُورًا . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَعَلَى الْجُمْلَة مَا كَانَ مَذْكُورًا لِلْخَلْقِ , وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا لِلَّهِ . وَحَكَى مُحَمَّد بْن الْجَهْم عَنْ الْفَرَّاء : " لَمْ يَكُنْ شَيْئًا " قَالَ : كَانَ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا . وَقَالَ قَوْم : النَّفْي يَرْجِع إِلَى الشَّيْء ; أَيْ قَدْ مَضَى مَدَد مِنْ الدَّهْر وَآدَم لَمْ يَكُنْ شَيْئًا يُذْكَر فِي الْخَلِيقَة ; لِأَنَّهُ آخِر مَا خَلَقَهُ مِنْ أَصْنَاف الْخَلِيقَة , وَالْمَعْدُوم لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهِ حِين . وَالْمَعْنَى : قَدْ مَضَتْ عَلَيْهِ أَزْمِنَة وَمَا كَانَ آدَم شَيْئًا وَلَا مَخْلُوقًا وَلَا مَذْكُورًا لِأَحَدٍ مِنْ الْخَلِيقَة . وَهَذَا مَعْنَى قَوْل قَتَادَة وَمُقَاتِل : قَالَ قَتَادَة : إِنَّمَا خُلِقَ الْإِنْسَان حَدِيثًا مَا نَعْلَم مِنْ خَلِيقَة اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلِيقَة كَانَتْ بَعْد الْإِنْسَان . وَقَالَ مُقَاتِل : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير , وَتَقْدِيره : هَلْ أَتَى حِين مِنْ الدَّهْر لَمْ يَكُنْ الْإِنْسَان شَيْئًا مَذْكُورًا ; لِأَنَّهُ خَلَقَهُ بَعْد خَلْق الْحَيَوَان كُلّه , وَلَمْ يَخْلُق بَعْده حَيَوَانًا . وَقَدْ قِيلَ : " الْإِنْسَان " فِي قَوْله تَعَالَى " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين " عُنِيَ بِهِ الْجِنْس مِنْ ذُرِّيَّة آدَم , وَأَنَّ الْحِين تِسْعَة أَشْهُر , مُدَّة حَمْل الْإِنْسَان فِي بَطْن أُمّه " لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " : إِذْ كَانَ عَلَقَة وَمُضْغَة ; لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَة جَمَاد لَا خَطَر لَهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : لَيْتَهَا تَمَّتْ فَلَا نُبْتَلَى . أَيْ لَيْتَ الْمُدَّة الَّتِي أَتَتْ عَلَى آدَم لَمْ تَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا تَمَّتْ عَلَى ذَلِكَ , فَلَا يَلِد وَلَا يُبْتَلَى أَوْلَاده . وَسَمِعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَجُلًا يَقْرَأ " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " فَقَالَ لَيْتَهَا تَمَّتْ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • أحكام تمنى الموت

    رسالة مختصرة في أحكام تمني الموت.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/264153

    التحميل:

  • أحكام الجنائز

    أحكام الجنائز : فكما أن للإنسان أحكامًا في حياته لا بد له من معرفتها والعمل بها فإن له أحكامًا بعد وفاته لا بد له من معرفتها والعمل بموجبها. ولا بد للحي أن يعرف أحكام المريض قبل الوفاة، وأحكامه بعد الوفاة من تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وأن يعرف ما أحيطت به هذه الأحكام من بدع وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان ليحذرها ويحذر إخوانه المسلمين منها وكذلك من المهم معرفة أحكام زيارة القبور الشرعية، والبدعية والشركية التي هي حاصلة في كثير من الأقطار.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/209121

    التحميل:

  • الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم

    الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم: في هذا الكتاب بيان معنى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحُكمها، وكيفيتها، وفضلها، وفضل زيارة قبره ومسجده - عليه الصلاة والسلام -، وذكر آداب دخول المسجد كما وردت في كتب السنن.

    الناشر: موقع رسول الله http://www.rasoulallah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/385233

    التحميل:

  • تنبيهات على أحكام تختص بالمؤمنات

    تنبيهات على أحكام تختص بالمؤمنات: يحتوي على بعض الأحكام التي ينبغي أن تحرص كل امرأة على معرفتها، مثل: أحكام تختص بالتزيين الجسمي للمرأة‏، والحيض والاستحاضة والنفاس‏، واللباس والحجاب‏، والصلاة والصيام‏، والحج والعمرة، مع بيان بعض الأحكام التي تختص بالزوجية وبإنهائها‏.‏

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/57886

    التحميل:

  • تذكرة أُولي الغِيَر بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    تذكرة أُولي الغِيَر بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: رسالة وجيزة من نصوص الكتاب والسنة، وكلام أهل العلم، ممن لهم لسان صدق في الأمة، ما تيسَّر لي مما يبين حقيقته، وحكمه، ومهمات من قواعده، وجملاً من آداب من يتصدَّى له، وفوائد شتَّى تتعلَّق بذلك.

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/330472

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة