Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة المائدة - الآية 31

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) (المائدة) mp3
وَقَوْله تَعَالَى " فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض لِيُرِيَهُ كَيْف يُوَارِي سَوْأَة أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ " قَالَ السُّدِّيّ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّم إِلَى الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ : لَمَّا مَاتَ الْغُلَام تَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ وَلَا يَعْلَم كَيْف يُدْفَن فَبَعَثَ اللَّه غُرَابَيْنِ أَخَوَيْنِ فَاقْتَتَلَا فَقَتَلَ أَحَدهمَا صَاحِبه فَحَفَرَ لَهُ ثُمَّ حَثَى عَلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ " يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي " وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة : عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : جَاءَ غُرَاب إِلَى غُرَاب مَيِّت فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ التُّرَاب حَتَّى وَارَاهُ فَقَالَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ " يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي " وَقَالَ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس : مَكَثَ يَحْمِل أَخَاهُ فِي جِرَاب عَلَى عَاتِقه سَنَة حَتَّى بَعَثَ اللَّه الْغُرَابَيْنِ فَرَآهُمَا يَبْحَثَانِ فَقَالَ" أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب " فَدَفَنَ أَخَاهُ وَقَالَ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم عَنْ مُجَاهِد : كَانَ يَحْمِلهُ عَلَى عَاتِقه مِائَة سَنَة مَيِّتًا لَا يَدْرِي مَا يَصْنَع بِهِ وَيَحْمِلهُ وَيَضَعهُ إِلَى الْأَرْض حَتَّى رَأَى الْغُرَاب يَدْفِن الْغُرَاب فَقَالَ " يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ " رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَابْن أَبِي حَاتِم وَقَالَ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ : لَمَّا قَتَلَهُ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ حَتَّى أَرْوَحَ وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الطُّيُور وَالسِّبَاع تَنْتَظِر مَتَى يَرْمِي بِهِ فَتَأْكُلهُ . رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَرَوَى مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْكِتَابِ الْأَوَّل لَمَّا قَتَلَهُ سَقَطَ فِي يَده أَيْ وَلَمْ يَدْرِ كَيْف يُوَارِيه وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَوَّل قَتِيل فِي بَنِي آدَم وَأَوَّل مَيِّت " فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض لِيُرِيَهُ كَيْف يُوَارِي سَوْأَة أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ " قَالَ : وَزَعَمَ أَهْل التَّوْرَاة أَنَّ قَابِيل لَمَّا قَتَلَ أَخَاهُ هَابِيل قَالَ لَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَا قَابِيل أَيْنَ أَخُوك هَابِيل قَالَ مَا أَدْرِي مَا كُنْت عَلَيْهِ رَقِيبًا فَقَالَ اللَّه إِنَّ صَوْت دَم أَخِيك لَيُنَادِينِي مِنْ الْأَرْض الْآن أَنْتَ مَلْعُون فِي الْأَرْض الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا فَتَلَقَّتْ دَم أَخِيك مِنْ يَدك فَإِنْ أَنْتَ عَمِلْت فِي الْأَرْض فَإِنَّهَا لَا تَعُود تُعْطِيك حَرْثَهَا حَتَّى تَكُون فَزِعًا تَائِهًا فِي الْأَرْض وَقَوْله " فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ " قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : عَلَاهُ اللَّه بِنَدَامَةٍ بَعْد خُسْرَان فَهَذِهِ أَقْوَال الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْقِصَّة وَكُلّهمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ اِبْنَا آدَم لِصُلْبِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِر الْقُرْآن وَكَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيث فِي قَوْله إِلَّا كَانَ عَلَى اِبْن آدَم الْأَوَّل كِفْلٌ مِنْ دَمهَا لِأَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل وَهَذَا ظَاهِر وَجَلِيّ وَلَكِنْ قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع حَدَّثَنَا سَهْل بْن يُوسُف عَنْ عَمْرو عَنْ الْحَسَن هُوَ الْبَصْرِيّ قَالَ : كَانَ الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ فِي الْقُرْآن اللَّذَانِ قَالَ اللَّه " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ" مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَلَمْ يَكُونَا اِبْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ وَإِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَانُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَكَانَ آدَم أَوَّل مَنْ مَاتَ وَهَذَا غَرِيب جِدًّا وَفِي إِسْنَاده نَظَر وَقَدْ قَالَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ الْحَسَن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اِبْنَيْ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَام - ضَرَبَا لِهَذِهِ الْأُمَّة مَثَلًا فَخُذُوا بِالْخَيْرِ مِنْهُمَا " وَرَوَاهُ الْمُبَارَك عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل عَنْ الْحَسَن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّه ضَرَبَ لَكُمْ اِبْنَيْ آدَم مَثَلًا وَخُذُوا مِنْ خَيْرهمْ وَدَعُوا شَرّهمْ " وَكَذَا أَرْسَلَ هَذَا الْحَدِيثَ بُكَيْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ رَوَى ذَلِكَ كُلّه اِبْن جَرِير وَقَالَ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد : لَمَّا قَتَلَ اِبْن آدَم أَخَاهُ مَكَثَ آدَم مِائَة سَنَة حَزِينًا لَا يَضْحَك ثُمَّ أُتِيَ فَقِيلَ لَهُ : حَيَّاك اللَّه وَبَيَّاك أَيْ أَضْحَكَك . رَوَاهُ اِبْن جَرِير ثُمَّ قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ غِيَاث بْن إِبْرَاهِيم عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ قَالَ : قَالَ : عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب لَمَّا قَتَلَ اِبْن آدَم أَخَاهُ بَكَاهُ آدَم فَقَالَ : تَغَيَّرَتْ الْبِلَاد وَمَنْ عَلَيْهَا فَلَوْنُ الْأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي لَوْنٍ وَطَعْمٍ وَقَلَّ بَشَاشَةُ الْوَجْهِ الْمَلِيح فَأُجِيبَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام : أَبَا هَابِيل قَدْ قُتِلَا جَمِيعًا وَصَارَ الْحَيُّ بِالْمَيْتِ الذَّبِيحِ وَجَاءَ بِشَرِّهِ قَدْ كَانَ مِنْهُ عَلَى خَوْفٍ فَجَاءَ بِهَا يَصِيح وَالظَّاهِر أَنَّ قَابِيل عُوجِلَ بِالْعُقُوبَةِ كَمَا ذَكَره مُجَاهِد وَابْن جُبَيْر أَنَّهُ عَلِقَتْ سَاقه بِفَخِذِهِ يَوْم الْقِيَامَة وَجَعَلَ اللَّه وَجْهه إِلَى الشَّمْس حَيْثُ دَارَتْ عُقُوبَة لَهُ وَتَنْكِيلًا بِهِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ ذَنْب أَجْدَرَ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَر لِصَاحِبِهِ فِي الْآخِرَة مِنْ الْبَغْي وَقَطِيعَة الرَّحِم " وَقَدْ اِجْتَمَعَ فِي فِعْل قَابِيل هَذَا وَهَذَا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الثمر المستطاب في روائع الآل والأصحاب

    الثمر المستطاب في روائع الآل والأصحاب: قال المُؤلِّفان: «فإن لآل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - مكانةً عظيمةً، ومنزلةً سامِقةً رفيعةً، وشرفًا عاليًا، وقدرًا كبيرًا. لقد حباهم الله هذه المكانة البالغة الشرف، فجعل الصلاةَ عليهم مقرونةً بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في التشهُّد، وأوجبَ لهم حقًّا في الخمس والفَيْء، وحرَّم عليهم الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس، فلا تصلُح لأمثالهم ... وقد جمعتُ في هذه الأوراق مواقف متنوعة، وقصصًا مُشرقة للآل والأصحاب - رضي الله عنهم -، ورتَّبتُها على أبوابٍ مختلفة، وتركتُها قفلاً من غير تعليق لأنها ناطقة بما فيها، واعتمدتُ في جمع هذه المواقف على مراجع متنوعة، وقد أنقلُ - أحيانًا - جزءًا كبيرًا من كتابٍ واحدٍ لحصول المقصود به؛ ككتاب «سير أعلام النبلاء» للذهبي - رحمه الله -، و«حياة الصحابة» للكاندهلوي - رحمه الله -، و«صلاح الأمة في علوِّ الهمَّة» لسيد عفاني - وفقه الله -».

    الناشر: مركز البحوث في مبرة الآل والأصحاب http://www.almabarrah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/380429

    التحميل:

  • أحكام عرفة

    أحكام عرفة : إن هذا الموقف من أجل المواقف وأشهدها وأعظمها، وفي هذه الرسالة ذكر أحكامه، وأركانه، وواجباته، وآدابه، ومستحباته، وفضائله.

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/166807

    التحميل:

  • مطوية الدعاء من الكتاب والسنة

    مطوية الدعاء من الكتاب والسنة: فهذه أدعية جامعة نافعة، اختصرها المؤلف - حفظه الله - من كتابه: «الدعاء من الكتاب والسنة».

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/339731

    التحميل:

  • الفروسية المحمدية

    فهذا كتاب الفروسية المحمدية للإمام العلامة أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية، ألفه بعد ما وقع له امتحان من بعض علماء عصره بسبب ماكان يفتي به من عدم اشتراط المحلل في السباق والنضال، فأظهر الموافقة للجمهور إخماداً ودرءاً للفتنة. فألف هذا الكتاب وأورد فيه مسألة اشتراط المحلل في السباق، واستوفى أدلة الفريقين، ثم أشار إلى من أنكر عليه هذا القول والإفتاء به، وأن سبب ذلك الركون إلى التقليد، ثم ذكر أحكام الرهن في مسائل كثيرة تتعلق بالرمي والسبق كما سيأتي بيانه. وكل هذا إحقاقاً للحق - فيما يعتقده - وبياناً بعدم رجوعه عن القول بذلك، والله أعلم.

    المدقق/المراجع: زائد بن أحمد النشيري

    الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/265614

    التحميل:

  • تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية

    « تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية »: رسالة رد فيها المصنف - حفظه الله - على من يخلط بين منهج شيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، ومنهج عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن رستم، الخارجي الأباضيّ المتوفى عام 197 هـ.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2473

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة