Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 58

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) (البقرة) mp3
يَقُول تَعَالَى لَائِمًا لَهُمْ عَلَى نُكُولهمْ عَنْ الْجِهَاد وَدُخُولهمْ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة لَمَّا قَدِمُوا مِنْ بَرّ مِصْر صُحْبَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَأُمِرُوا بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي هِيَ مِيرَاث لَهُمْ عَنْ أَبِيهِمْ إِسْرَائِيل وَقِتَال مَنْ فِيهَا مِنْ الْعَمَالِيق الْكَفَرَة فَنَكَلُوا عَنْ قِتَالهمْ وَضَعُفُوا وَاسْتَحْسَرُوا فَرَمَاهُمْ اللَّه فِي التِّيه عُقُوبَة لَهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي سُورَة الْمَائِدَة وَلِهَذَا كَانَ أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ هَذِهِ الْبَلْدَة هِيَ بَيْت الْمَقْدِس كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ السُّدِّيّ وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَقَتَادَة وَأَبُو مُسْلِم الْأَصْفَهَانِيّ وَغَيْر وَاحِد وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُوسَى " يَا قَوْم اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا" الْآيَات . وَقَالَ : آخَرُونَ هِيَ أَرِيحَا وَيُحْكَى عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد وَهَذَا بَعِيد لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى طَرِيقهمْ وَهُمْ قَاصِدُونَ بَيْت الْمَقْدِس لَا أَرِيحَا وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ قَوْل مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا مِصْر حَكَاهُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيره وَالصَّحِيح الْأَوَّل أَنَّ بَيْت الْمَقْدِس وَهَذَا كَانَ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ التِّيه بَعْد أَرْبَعِينَ سَنَة مَعَ يُوشَع بْن نُون عَلَيْهِ السَّلَام وَفَتَحَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ عَشِيَّة جُمْعَة وَقَدْ حُبِسَتْ لَهُمْ الشَّمْس يَوْمَئِذٍ قَلِيلًا حَتَّى أَمْكَنَ الْفَتْح وَلَمَّا فَتَحُوهَا أَقَرُّوا أَنْ يَدْخُلُوا الْبَاب بَاب الْبَلَد " سُجَّدًا " أَيْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْفَتْح وَالنَّصْر وَرَدَّ بَلَدهمْ عَلَيْهِمْ وَإِنْقَاذهمْ مِنْ التِّيه وَالضَّلَال قَالَ الْعَوْفِيّ فِي تَفْسِيره عَنْ اِبْن عَبَّاس إِنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قَوْله تَعَالَى" وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا " أَيْ رُكَّعًا وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو وَعَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا " قَالَ رُكَّعًا مِنْ بَاب صَغِير رَوَاهُ الْحَاكِم مِنْ حَدِيث سُفْيَان بِهِ وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث سُفْيَان وَهُوَ الثَّوْرِيّ بِهِ وَزَادَ فَدَخَلُوا مِنْ قِبَل اسْتَاهِهمْ وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أُمِرُوا أَنْ يَسْجُدُوا عَلَى وُجُوههمْ حَالَ دُخُولهمْ وَاسْتَبْعَدَهُ الرَّازِيّ وَحَكَى عَنْ بَعْضهمْ أَنَّ الْمُرَاد هَاهُنَا فِي السُّجُود الْخُضُوع لِتَعَذُّرِ حَمْله عَلَى حَقِيقَته وَقَالَ الْخُصَيْف : قَالَ عِكْرِمَة قَالَ اِبْن عَبَّاس كَانَ الْبَاب قِبَل الْقِبْلَة وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالسُّدِّيّ وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك هُوَ بَاب الْحِطَّة مِنْ بَاب إِيلِيَاء بِبَيْتِ الْمَقْدِس وَحَكَى الرَّازِيّ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ عَنَى بِالْبَابِ جِهَة مِنْ جِهَات الْقِبْلَة وَقَالَ خُصَيْف قَالَ عِكْرِمَة قَالَ : اِبْن عَبَّاس فَدَخَلُوا عَلَى شِقّ وَقَالَ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْأَزْدِيّ عَنْ أَبِي الْكَنُود عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قِيلَ لَهُمْ اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا فَدَخَلُوا مُقْنِعِي رُءُوسهمْ أَيْ رَافِعِي رُءُوسهمْ خِلَاف مَا أُمِرُوا وَقَوْله تَعَالَى " وَقُولُوا حِطَّة " قَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ الْأَعْمَش عَنْ الْمِنْهَال عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَقُولُوا حِطَّة " قَالَ مَغْفِرَة اِسْتَغْفِرُوا وَرَوَى عَنْ عَطَاء وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس نَحْوه وَقَالَ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَقُولُوا حِطَّة " قَالَ قُولُوا هَذَا الْأَمْر حَقّ كَمَا قِيلَ لَكُمْ وَقَالَ عِكْرِمَة قُولُوا " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ. كَتَبَ اِبْن عَبَّاس إِلَى رَجُل قَدْ سَمَّاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ قَوْله تَعَالَى " وَقُولُوا حِطَّة " فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ أَقِرُّوا بِالذَّنْبِ وَقَالَ : الْحَسَن وَقَتَادَة أَيْ اُحْطُطْ عَنَّا خَطَايَانَا " نَغْفِر لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ " وَقَالَ هَذَا جَوَاب الْأَمْر أَيْ إِذَا فَعَلْتُمْ مَا أَمَرْنَاكُمْ غَفَرْنَا لَكُمْ الْخَطِيئَات وَضَعَّفْنَا لَكُمْ الْحَسَنَات وَحَاصِل الْأَمْر أَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَخْضَعُوا لِلَّهِ تَعَالَى عِنْد الْفَتْح بِالْفِعْلِ وَالْقَوْل وَأَنْ يَعْتَرِفُوا بِذُنُوبِهِمْ وَيَسْتَغْفِرُوا مِنْهَا وَالشُّكْر عَلَى النِّعْمَة عِنْدهَا وَالْمُبَادَرَة إِلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَحْبُوب عِنْد اللَّه تَعَالَى " إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه وَالْفَتْح وَرَأَيْت النَّاس يَدْخُلُونَ فِي دِين اللَّه أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا " فَسَّرَهُ بَعْض الصَّحَابَة بِكَثْرَةِ الذِّكْر وَالِاسْتِغْفَار عِنْد الْفَتْح وَالنَّصْر وَفَسَّرَهُ اِبْن عَبَّاس بِأَنَّهُ نُعِيَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَله فِيهَا وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَلَا مُنَافَاة بَيْن أَنْ يَكُون قَدْ أُمِرَ بِذَلِكَ عِنْد ذَلِكَ وَنُعِيَ إِلَيْهِ رُوحه الْكَرِيمَة أَيْضًا وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَظْهَر عَلَيْهِ الْخُضُوع جِدًّا عِنْد النَّصْر كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَوْم الْفَتْح فَتْح مَكَّة دَاخِلًا إِلَيْهَا مِنْ الثَّنِيَّة الْعُلْيَا وَإِنَّهُ لَخَاضِع لِرَبِّهِ حَتَّى أَنَّ عُثْنُونه لَيَمَسّ مَوْرِك رَحْله شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَمَّا دَخَلَ الْبَلَد اِغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِي رَكَعَات وَذَلِكَ ضُحًى وَقَالَ : بَعْضهمْ هَذِهِ صَلَاة الضُّحَى وَقَالَ : آخَرُونَ بَلْ هِيَ صَلَاة الْفَتْح فَاسْتَحَبُّوا لِلْإِمَامِ وَلِلْأَمِيرِ إِذَا فَتَحَ بَلَدًا أَنْ يُصَلِّي فِيهِ ثَمَانِي رَكَعَات عِنْد أَوَّل دُخُوله كَمَا فَعَلَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا دَخَلَ إِيوَان كِسْرَى صَلَّى فِيهِ ثَمَانِي رَكَعَات وَالصَّحِيح أَنَّهُ يَفْصِل بَيْن كُلّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمٍ وَقِيلَ يُصَلِّيهَا كُلّهَا بِتَسْلِيمٍ وَاحِد وَاَللَّه أَعْلَم .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • كتاب العلم

    كتاب العلم : يحتوي على نصائح وتوجيهات في منهجية طلب العلم.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/144939

    التحميل:

  • الهدي النبوي في تربية الأولاد في ضوء الكتاب والسنة

    قال المؤلف - حفظه الله -: «فهذه رسالة في «الهدي النبوي في تربية الأولاد في ضوء الكتاب والسنة» كتبت أصلها في النصف الثاني من سنة 1402هــ ثم في عام 1431هـ، نظرت فيها، وتأملت وحررتها تحريرًا، وزدت عليها زيادات نافعة إن شاء الله تعالى، وقد قسمت البحث إلى أربعة وعشرين مبحثًا ... ».

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/320894

    التحميل:

  • طرق تدريس التجويد وأحكام تعلمه وتعليمه

    طرق تدريس التجويد وأحكام تعلمه وتعليمه: جمع فيه المؤلِّفان ما يُمهِّد الطريق للطلبة، ويرسم لهم المنهج - خاصةً في التجويد -، ويُنير لهم السبيل؛ وهو عن طرق التدريس وهي ما يتعلَّق بأحكام تعلُّم التجويد وتعليمه وفضل القرآن الكريم وتلاوته وأخذ الأجرة على تعلُّمه وتعليمه ونحو ذلك.

    الناشر: مكتبة التوبة للنشر والتوزيع

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/364172

    التحميل:

  • النجوم الزاهرة في القراءات العشر المُتواترة وتوجيهها من طريقَي الشاطبية والدرة

    النجوم الزاهرة في القراءات العشر المُتواترة وتوجيهها من طريقَي الشاطبية والدرة: ثال المُصنِّف - رحمه الله -: «لما رأيتُ طلابَ معاهد القراءات، وطلاب المعاهد الأزهرية في مصر الحبيبة، وسائر المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية الشقيقة في حاجةٍ إلى كتابٍ في «القراءات العشر من طريقَي الشاطبية والدرة» يستعينون به على إعداد دروسهم في الجانب العلمي التطبيقي؛ ألَّفتُ هذا الكتاب .. وقد سلَكتُ في تصنيفهِ المسلكَ الذي اتبعتُه في مُؤلَّفاتي؛ مثل: 1- المُهذَّب في القراءات العشر وتوجيهها من طريق الشاطبية. 2- الإرشادات الجليَّة في القراءات السبع من طريق الشاطبية. 3- التذكرة في القراءات الثلاث من طريق الدرَّة».

    الناشر: موقع الدكتور محمد محيسن http://www.mehesen.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/384392

    التحميل:

  • من الزيادات الضعيفة في المتون الصحيحة

    من الزيادات الضعيفة في المتون الصحيحة : هذا البحث يُعنى بالبحث في الأحاديث المتكلّم في بعض ألفاظها وبخاصة فيما يتعلق بالزيادات في متون الأحاديث.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/233545

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة